أعياد في السماء- الطيران فرحة العيد وعودة القلوب.

المؤلف: منيف الحربي09.28.2025
أعياد في السماء- الطيران فرحة العيد وعودة القلوب.

في بهجة الأعياد، تكتسي المطارات حلّة مختلفة، فتتحوّل إلى ساحات للقاءات الدافئة، حيث تُحزم الحقائب بالشوق لا بالهروب. الأعياد هي "المواعيد" التي تتوق إليها النفوس المتعطشة للفرح، و"مواسم الرجوع" لا إلى الديار فحسب، بل إلى الطفولة البريئة التي تلهو في دهاليز الذاكرة. فمنذ أن أصبحت الطائرات نوافذ العالم، غدت بمثابة أجنحة بهجة تنقلنا من الواقع الرتيب إلى الشواطئ الدافئة المفعمة بالحنين. في الزمن الفائت، كان السفر في الأعياد ضرباً من الترف النادر، لكن بفضل الطيران، تقلّصت المسافات وأشرقت آمال الأعياد، لتصطف الطائرات على البوابات كقوافل من الغيوم البيضاء، محملة بهدايا السرور. في كل عيد، تتلهف عائلة للقاء غائبها، ويعدّ عاشق اللحظات شوقاً، وتفيض دعوات أمّ في حنايا قلبها. تتغير الحسابات في كل عيد، فالعدد لا يقاس بالرحلات، بل بالقلوب الخافقة في المقاعد والعيون المترقبة للنوافذ، باحثة عن أنوار المدن التي افتقدتها طويلاً. في كل عيد، ثمّة من لا يحتفل في منزله ولا يشارك عائلته مائدة الإفطار، أولئك الذين اختارهم القدر ليكونوا جزءاً من سعادة الآخرين. الطيارون الذين استبدلوا ليالي الأعياد وصباحاتها بالعمل، فاضطروا إلى النوم مبكراً ليستيقظوا مع الفجر، تتلألأ الشمس على جباههم وهم يحلّقون فوق البحار والمدن، لينقلوا المسافرين إلى أحبائهم في الوقت المناسب. قلوبهم معلقة في أماكن أخرى، لكنهم يؤدون مهامهم بإتقان، وكأنها ترانيم تصنع للناس فرحة كاملة. الملاحون الذين ينثرون البسمات في المقصورة كأنها حلوى، يهمسون بالترحيب وتتوق أرواحهم إلى سماع صوت التكبير في مسجد الحي. وعلى الأرض، هناك الكثيرون ممّن قد لا نراهم، لكننا ندرك وجودهم، المراقبون الجويون الذين تشكّل أصواتهم بوصلة الطريق، يراقب أحدهم النقاط المتحركة على الشاشة كما يراقب الطبيب نبض الحياة، فكل نقطة تمثل طائرة، وكل طائرة تحمل مئات الأرواح. ينسجون خيوط الأمان في شبكة السماء، حتى يعبر الجميع بسلام، مؤمنين بأن الفرح يستحق التضحية، حتى لو حلّق في اتجاه مغاير. هنالك أيضاً موظفو المطارات، من رجال الأمن والجوازات والإطفاء، إلى موظفي الاستقبال وعمال الأمتعة وغيرهم، لكل منهم قصّة شوق، لكنهم في يوم العيد يعملون بابتسامة خفيفة وقناعة راسخة بأن العمل في هذا اليوم له قدسية خاصة. إنهم لا يسمعون "كل عام وأنتم بخير" من عائلاتهم، بل من مسافر غريب تفوّه بها بعفوية عابرة، دون أن يدرك أنه أضاء شمعة فرح في قلوبهم. العيد ليس مجرد يوم، بل هو لحظة فارقة في مسيرة الزمن، تتوقف فيها رتابة الإنسان ليستعيد أنفاسه بعد عناء الركض، كأنه استراحة بين رحلتين أو بوابة عبور من التعب إلى البهجة. والطيران ليس مجرد وسيلة نقل، بل رمز للتجاوز والتحرر من قيود الأرض والانطلاق في الآفاق الرحبة، هو نوع من الانفصال المؤقت عن العالم. وبين "اللحظة الفاصلة" و"الانفصال اللحظي"، يتعانق العيد والطيران، وكأنهما يسطّران إجابة السؤال: إلى أين نعود؟ يكمن الجمال في العيد ليس فقط في الزينة، بل في التكبيرات التي تتسلل إلى البيوت، وفي رائحة القهوة الممزوجة بابتسامة، وفي لقاء الجار عند الباب، وفي اللمسة التي تجبر ما كسرته الظروف، وفي الموائد العامرة بالمودة، وفي رؤية النور في وجه الأم والرضا في نظرة الأب. ويتجلّى الجمال في الطيران لا فقط فيما تراه العين أو تسمعه الأذن، بل بالإحساس الذي يتسع مع الارتفاع، باكتشاف ضآلة العالم ونحن نحلق، وعظمة قلوبنا حين نشتاق. جمال الطيران يكمن في كونه تجربة حسية تعيد تعريف علاقتك بالمسافة والوقت والحياة. الجمال في العيد والطيران يكمن في الشعور بأنك محاط بلحظات لا تقدر بثمن، بل تعاش بكل جوارحك، وبأنك مع كل سفر تقترب أكثر من ذاتك وأحبابك والخالق. يعدك العيد بأن الحياة يمكن أن تنبعث من جديد حتى بعد الحزن أو الخصام أو التعب، ويعدك الطيران بأن هناك دائماً مكاناً آخر وفرصة أفضل وأفقاً أوسع، كلاهما يخاطب فيك الحالم المنهك ويقول: هناك ما يستحق الفرح. الطيران أعياد معلقة في الأجواء، والأعياد رحلة داخلية نحو السلام. كل عام وأنتم بألف خير.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة